مجتمع

التحولات السياسية في سطات بعد دستور 2011: بين صراعات المجالس وتحديات الرقمنة قراءة تحليلية

بقلم
شعيب خميس

مدينة سطات، الواقعة في قلب المغرب، لم تكن يوماً مجرد مركز جغرافي فقط، بل كانت دائماً مختبراً حقيقياً للتغيرات السياسية التي عرفها المغرب على امتداد عقود من الزمن. فبين الماضي القريب، حيث كانت الصراعات تحسم داخل الكواليس وعلى أعتاب المقاهي السياسية، إلى الحاضر الذي تحوّل فيه الفضاء الرقمي إلى ساحة جديدة للتأثير وتوجيه الرأي العام، عرفت المدينة تحولات عميقة ومثيرة في
المشهد السياسي.

إرث سياسي ثقيل
في العقود الماضية، وخصوصاً خلال فترة ما بعد الاستقلال إلى حدود نهاية التسعينات، كانت السياسة بسطات تُدار من قبل نخب تقليدية تجمع بين رمزية القبيلة، وولاء الدولة المركزية، وتوازنات السلطة المحلية. كانت الأحزاب السياسية حينها تتحرك وفق منطق الزعامات المحلية، وقلّما كانت البرامج الانتخابية محور التنافس. الصراع كان يُحسم غالباً من خلال النفوذ القبلي، والولاءات العائلية، والقرابة من دوائر القرار.

منطق جديد بعد دستور 2011.
مع الدستور الجديد لسنة 2011، بدأت ملامح التحول تظهر في الأفق. ارتفعت الأصوات المطالبة بالشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، وبدأ المواطن السطاتي يعبّر بشكل أكثر جرأة عن انتظاراته من الفاعل السياسي. في هذا السياق، برز جيل جديد من المنتخبين، بعضهم من خلفيات مستقلة أو شبابية، جاءوا حاملين لخطاب التغيير، وإن لم يخلو المشهد من بروز صراعات أكثر حدّة بين التيارات السياسية المختلفة، خاصة على مستوى تدبير الشأن المحلي.

المجلس الجماعي وصراع المواقع.
شهدت المجالس الجماعية المتعاقبة على مدينة سطات صراعات محتدمة بين مكونات الأغلبية والمعارضة، بلغت أحياناً مستويات من التشنج أثرت سلباً على السير العادي لمصالح الساكنة. وتحولت قبة المجلس في فترات معينة إلى ساحة لتبادل الاتهامات بدل مناقشة القضايا التنموية. كما أن التحالفات السياسية غالباً ما كانت هشة، تُبنى على منطق “الربح الانتخابي” وليس على قاعدة التقارب البرامجي أو الإيديولوجي.

الحضور الرقمي وتأثير الإعلام المحلي.
ومع تنامي دور الإعلام المحلي ووسائل التواصل الاجتماعي، بات الرأي العام السطاتي أكثر متابعة وانتقاداً لأداء المنتخبين، ما خلق ضغطاً إضافياً على الفاعلين السياسيين. البعض استطاع مواكبة هذا التحول وركوب موجة الرقمنة والتواصل القريب من المواطنين، والبعض الآخر وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع الانتقادات والفضائح التي كشفتها المنصات الاجتماعية.

مستقبل غامض أم أمل في التغيير؟
رغم مظاهر الصراع والانقسام، يبقى المستقبل السياسي لمدينة سطات مفتوحاً على كل الاحتمالات. فالإرادة الشعبية تتبلور شيئاً فشيئاً، والمجتمع المدني بدأ يفرض وجوده كقوة اقتراحية ورقابية. وإذا ما استثمرت الطاقات الشابة في العمل السياسي النزيه، بعيداً عن منطق “الكوطا” و”الريع الانتخابي”، فقد تشهد سطات انبعاثاً سياسياً حقيقياً يقطع مع ماضي التوازنات التقليدية.

خاتمة
إن مدينة سطات اليوم تقف على عتبة مفصلية في تاريخها السياسي. بين إرث الماضي وتحديات الحاضر، تظل الصراعات السياسية جزءاً من الدينامية الطبيعية لأي مجتمع حي، لكن ما تحتاجه المدينة فعلاً هو ثقافة سياسية جديدة قوامها الشفافية، والمحاسبة، والتواصل المسؤول مع المواطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!